تقييم القدرات والمهارات

الاختبارات التطورية للأطفال

مقدمة لا بد منها!

لا يشك أحد في أهمية متابعة نمو الطفل وذلك عن طريق قياس وزنه وطوله مثلًا عبر فترات زمنية مختلفة؛ وذلك للتأكد بأن ذلك الجسم الصغير يسير حسب مسار صحيح واكتشاف التراجع فيه -إن حدث- مبكرًا ومحاولة كشف أسبابه.
إذ أن من الخطأ الانتظار إلى أن ينخفض الوزن مثلًا بشكل ملحوظ وواضح بحيث يكتشف الأهل ذلك قبل طبيب الأطفال.

إذا تأخرنا في اكتشاف ذلك التراجع، نكون -كأطباء- قد فوتنا فرصة ذهبية للتدخل المبكر، نكون بذلك أيضًا قد سمحنا للمرض أو المشكلة بأن تؤثر بشكل عميق في بنية الصغير، وبالتالي تصبح عملية إعادته إلى مساره الصحيح مكلفة وصعبة وغير مضمونة.

ماذا بشأن التطور؟

التطور باختصار هو التغيُّر؛ وبمعنى آخر اكتساب الطفل مهارات وقدرات لم تكن موجودة سابقًا. وكما أن نمو الطفل يكون متسارعًِا في السنوات الأولى فإن التطور يكون ذا وتيرة سريعة في هذه الفترة كذلك. يمكننا ببساطة أن ننظر إلى قدرات طفل حديث الولادة ونقارنها بمهارات طفل  آخر عند عمر العامين، لن يسعك إلا أن تندهش أمام كمية التغيّر بالمهارات والقدرات في هذه الفترة الوجيزة من الزمن.
وكما أن النمو يتخذ مسارًا معينًا لدى الأطفال؛ فالتطور كذلك الحال، لذا فإننا في العادة ندمج المجالين معًا تحت مسمى النمو والتطور، مع التركيز على أهمية التطور وخصوصيته والدور الهام لطبيب الأطفال في متابعته.

أولًا

عملية التطور عملية مستمرة لا تتوقف وهي مليئة بالتفاصيل، ففي مجال الحركة مثلًا لا يمكن اختزال حركة الطفل بمهارات معينة مثل: الجلوس، الوقوف، المشي وهي الإنجازات التي يراقبها الأهل عادة؛ فما بالك بالمجالات الأكثر خفاءً مثل التطور العقلي والاجتماعي؟

ثانيًا

عندما نتحدث مع الأهل عن التطور؛ يخطر ببالهم غالبًا التطور الحركي واللغوي. ففي أكثر الأحيان تدور شكوى الأهل في الفترات الأولى حول مشاكل تتعلق بهذين المجالين:
إبني مابمشي !!!
إبني مابيحكي!!!

ولكن التطور يشمل مجالات تتجاوز الحركي واللغوي وعلى رأسها التطور العقلي (قدرة الطفل على حل المشاكل)، التطور الاجتماعي والانفعالي (قدرة الطفل على
التفاعل مع محيطه الاجتماعي). فلا نستطيع أن نسأل الأهل غالبًا ما المهارات العقلية المطلوبة من الطفل في الشهر التاسع من العمر؟ وما الذي يمكن توقعه من طفل في
عمر العام من ناحية التفاعل مع مجتمعه؟

ثالثًا

فيما يخص الاختلالات في التطور فإن البحوث العلمية والطبية تجمع على أن الاكتشاف والتدخل المبكر يشكلان الطريقة الأصح في التعامل مع هذه المشاكل، إذ أن نتيجة هذا الاكتشاف والتدخل غالبًا ما تكون أفضل وأسرع وأقل كلفة.

رابعًا

تعد رحلة التطور التي سيخوضها الطفل في سنواته الأولى أساسية في بناء التطور الذي سيأتي لاحقًا، وبالتالي فإن متابعة ومراعاة تطور الطفل في هذه السنوات يمثل أهمية قصوى.

خلال السنوات التكوينية الأولى، يكون احتكاك الطفل عادة مع ثلاث مؤسسات:

١لأسرة (الأم، الأب، الأقارب)

كما أوضحنا في النقاط السابقة فإننا لا نستطيع تحميل هذه المؤسسة عبء متابعة تطور الطفل بالكامل؛ لما في هذا الجانب من تفاصيل دقيقة يجعل من الصعب التوقع من جميع الآباء والأمهات الإلمام بها.

الحضانة

والتي يزداد عدد الأطفال فيها يوماً بعد يوم. تستطيع الحضانات عالية الجودة متابعة تطور الطفل ولكن نسبة هذه الحضانات حاليًا محدودة ولايمكن الاعتماد عليها.

طبيب الأطفال

تعد عيادة الأطفال من الأماكن المهمة التي يتواجد فيها الأطفال في سن مبكرة، ويستطيع طبيب الأطفال من خلال بناء علاقة ثقة مع الأهل أن يقوم بدور الحارس والمراقب لتطور الطفل من حيث متابعة هذا التطور واكتشاف اختلالاته والتدخل لتصويب الأمور.

دفع ذلك المرجعيات العلمية لايجاد الاختبارات التطورية للأطفال، حيث يقوم الأهل وبمساعدة كادر العيادة بإجراء ذلك الاختبار لطفلهم وتقديم النتائج جاهزة للطبيب.

لأجل كل ماتقدم نستطيع القول بشكل واضح بأن متابعة تطور الطفل واكتشاف مشاكله والتدخل المبكر لحلها في السنوات الأولى يعد ضروريًا، وبأن طبيب الأطفال  -بواقع معرفته وخبرته وتعامله مع هذه الفئة العمرية- هو الشخص الأنسب للقيام بهذه المهمة. 

من هنا لا بد من طرح سؤال؛ أين المشكلة إذا؟ لماذا لانشاهد جميع أطباء الأطفال يمارسون هذا الدور في حياة أطفالنا؟ 
بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية قد يضطر الطبيب إلى تخصيص وقت محدد لكل طفل لايتجاوز عادة (١٠-١٥) دقيقة وهو وقت غير كاف –إطلاقًا- لدراسة تطور الطفل في المجالات المختلفة.

ولذلك وفي بعض الأحيان تحول طب الأطفال –دون رغبة من الأطباء- إلى مجال طبي يبحث في الأمراض والعلاجات فقط دون النظر للزوايا الأخرى التي تحسن حياة الطفل؛ من تطور وتغذية. وبمرور الوقت وبالمواظبة على هذا النهج في العمل نشأت أجيال من الأطباء غير واعية بأهمية هذا الدور.

ما الحل؟

أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام!! 
ولأن هذه الظاهرة تعد عالمية، فقد تصدت كثير من المؤسسات لحل هذه المشكلة ونتج عن ذلك مايسمى باختبارات المسح التطورية للأطفال وعلى رأسها: اختبار ASQ-3 واختبار ASQ-SE-2. 

وهي اختبارات لقياس تطور الطفل تم إطلاقها في ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر العمل على تطويرها تطبيقيًا وتقنيًا بعد أن خضع لها ملايين الأطفال حول العالم لتصبح الآن في نسختها الثالثة بالنسبة لاختبار ASQ-3 والثانية بالنسبة لاختبار ASQ-SE-2.

الاختبارات التطورية للأطفال

إن متابعة تطور الطفل -وخاصة في السنوات الأولى- واكتشاف اختلالات ذلك التطور -إن حدثت- والتدخل المبكر لاكتشاف أسبابها وحلها يعتبر جزءًا أساسيًا من عمل طبيب الأطفال.
في عيادات طب الأطفال المزدحمة، لا يجد الطبيب الوقت الكافي لدراسة تطور الطفل بشكل دقيق والبحث عن المشاكل فيه؛ فقد أظهرت الدراسات بأنه -وفي أفضل الأحوال- لا يستطيع طبيب الأطفال اكتشاف أكثر من ٢٠٪ من مشاكل التطور خلال الزيارة الروتينية للطفل، يعني ذلك بأن ٨٠٪ من الأطفال الذين يعانون في تطورهم ستبقى مشاكلهم غير مكتشفة وستزداد سوءًا بمرور الوقت ويحرمون بالتالي من فرصة التدخل المبكر حيث النتائج أفضل والكلفة أقل.

ما الهدف من وضعها؟

تم تصميم هذه الاختبارات لتكون بمثابة أدوات بسيطة لمساعدة العاملين في مجالات الطفولة المبكرة -أطباء أطفال، حضانات، مؤسسات اجتماعية- لقياس تطور الطفل واكتشاف المشاكل فيه والتدخل لحل هذه المشكلات وبالتالي؛ فقد صممت لتكون بسيطة بحيث يستطيع الأهل إتمامها دون الحاجة إلى كثير من المساعدة، بمعنى أن لغتها سهلة ولا تتطلب الكثير من الأدوات لإجرائها.

ما هو شكل الاختبار؟

تأتي هذه الاختبارات على هيئة أسئلة بسيطة تتحدث عن مهارات أو سلوكيات للطفل، وتكون الإجابة عنها باختيار أحد الإجابات الثلاثة التالية:

– دائماً: يتقن ابني هذه المهارة أو يقوم بهذا السلوك بشكل دائم

– أحياناً: يؤدي طفلي هذه المهارة أو يقوم بهذا السلوك أحياناً

– ليس بعد: لايؤدي طفلي هذه المهارة أو لايقوم بهذا السلوك

ويمكن إتمام هذا الاختبار من قبل الأهل خلال ربع ساعة فقط.

ما هي النتائج المنبثقة عن الاختبار؟

يقيس اختبار ASQ-3 تطور الطفل ضمن خمسة مجالات:

١. التواصل: ويشمل قدرة الطفل على استيعاب من حوله وقدرته كذلك على التعبير عن نفسه.

٢. المهارات الحركية الكبرى: وتشمل المهارات التي تحتاج إلى مجاميع كبيرة من العضلات لإنجازها مثل الجلوس، الوقوف، المشي، ركل الكرة……إلخ.

٣. المهارات الحركية الدقيقة: وتقيس تطور حركات اليدين والأصابع.

٤. مهارات حل المشاكل: أو المهارات العقلية، وتبحث في قدرة الطفل على حل المشكلات التي تواجهه في محيطه باستعمال قدراته العقلية مثل التفكير.

٥. المهارات الشخصية الاجتماعية: قدرة الطفل على التفاعل مع المجتمع المحيط له.

أما بالنسبة لاختبار ASQ-SE-2 فيبحث في جانب تطوري واحد نظرًا لأهميته القصوى، وهو مهارات الطفل الاجتماعية وقدرة الطفل على التفاعل مع محيطه، وهو توسع في المجال الخامس من اختبار ASQ-3. ويمكن اعتباره بمثابة دراسة وتحليل لسلوك الطفل، ويستعمل غالبًا في دراسة سلوكيات الطفل الخارجة عن المألوف.

كيف يتم التعبير عن النتيجة؟

في كل مجال تطوري يكون التعبير عن النتيجة كالتالي:

١. وقوع النتيجة في المساحة البيضاء: مما يعني أن تطور الطفل في ذلك المجال مناسب لعمره.

٢. النتيجة في المنطقة الرمادية: وتعني بأن الطفل يعاني من ضعف في هذا الجانب التطوري ويحتاج إلى إثراء بيئته مع بعض المساعدة، والأهم المتابعة.

٣. المنطقة السوداء: يعاني الطفل من مشكلة حقيقية في هذا المجال وهو يحتاج إلى تدخل لفهم أكبر للمشكلة ومعرفة أسبابها ومحاولة حلها.

ما الذي يقدمه اختبار ASQ-3 واختبار ASQ-SE-2؟؟

أولًا: لطبيب الأطفال

أداة بسيطة لاكتشاف اختلالات التطور مبكراً والعمل على حلها.

ثانيًا للأم والأب

أداة لمتابعة تطور الطفل واكتشاف مشاكل الطفل مبكرًا. كما ويعتبر أداة تعليمية تكتشف من خلالها الأم تلك المهارات التي ينبغي أن تتوقع من الطفل القيام بها.

ما الذي لا يقدمه اختبار ASQ-3 واختبار ASQ-SE-2؟

يُصنف هذا الاختبار على أنه اختبار مسحي ولا يعد تشخيصيًا؛ بمعنى أنه بعد انتهاء الاختبار لا يمكننا القول بأن الطفل يعاني من شلل دماغي او اضطراب سلوك اجتماعي على سبيل المثال، فكل مايقدمه الاختبار هو أن الطفل يعاني من مشكلة في جانب معين ويأتي بعد ذلك دور الطبيب أو المختص في فهم المشكلة وأسبابها.

كما أن الهدف من هذا الاختبار هو اكتشاف المشكلات وليس المواهب والإبداعات لدى الأطفال، فعندما تكون نتيجة طفل في المنطقة البيضاء فإن ذلك يعني بأن الطفل يعد طبيعيًا من ناحية تطورية في ذلك المجال بالنسبة لعمره ولا يعني إطلاقًا بأن ذلك الطفل عبقري أو موهوب.

المراحل العمرية التي يغطيها الاختبار؟

يتم عمل اختبار ASQ-3 / ASQ-SE-2 من عمر يوم إلى عمر ٦٦ شهرًا، حيث يأتي اختبار ASQ-3 على شكل ٢١ اختبارًا لتغطية هذه الفئات العمرية أما بالنسبة لاختبار ASQ-SE-2 فيأتي على شكل تسعة اختبارات.

مدى مصداقية الاختبار

حاز هذا الاختبار على اعتراف كبرى الجهات العلمية مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ومنظمة الصحة العالمية، وذلك بعد اثبات الاختبار لمصداقيته وثباته ودقة نتائجه، ولذلك فقد أوصت هذه الجهات بإجراء الاختبار روتينيًا لجميع الأطفال عند أعمار ٩، ١٨، ٣٦ شهرًا، وجميعها في هذه الأعمار تقدم بشكل مجاني لمراجعي الحكيم فرات.

على خطى الرعاية الشاملة: ماذا قدم الحكيم فرات لاختبارات التطور؟

أولًا:

الاهتمام بفكرة متابعة تطور الطفل بشكل عميق وجعلها من أولويات العمل داخل مركز الحكبم فرات لطب الأطفال المتكامل والتدخل المبكر.

ثانيًا:

قام الدكتور فرات كريشان -أخصائي طب الاطفال وحديثي الولادة- بترجمة الاختبارين إلى لغة عربية بسيطة وإدخالها للعمل داخل مركز الحكيم فرات، وذلك قبل 
ترجمة الاختبار من قبل دار النشر بسنة كاملة، لنكون بذلك أول من قام بإدخاله للعمل في المنطقة.

ثالثًا:

اجتياز دورة مدرب للمدربين في الاختبارين في الولايات المتحدة الأمريكية للاطلاع على تفاصيل الاختبارات والحرص على تطبيقها بشكل صحيح.

رابعًا:

إدخال الاختبار بشكل روتيني ومجاني لأطفال العيادة عند عمر ٩، ١٨، ٢٤، ٣٦ شهرًا وذلك تبعًا للتوصيات العالمية.

خامسًا:

ولأن الموضوع لايقتصر فقط على اكتشاف المشاكل دون حلها فقد قمنا ببناء شبكة من الاختصاصين في مجال أعصاب الأطفال وتطور وسلوك الأطفال حتى يصبح الموضوع متكاملًا فلا قيمة للتشخيص المبكر دون تدخل مبكر.