تاريخ التوحد

ليو كانر  (Leo Kanner)

كان كانر مؤسس قسم طب نفس الاطفال في جامعة جونز هوبكينز ذائعة الصيت، وفي سياق عمله مع الأطفال الذين يعانون من أمراض نفسية وعصبية متنوعة، استطاع أن يميز ١١ طفلًا، فبالرغم من تنوع أعراضهم إلا أنه لمس بأن هذه المجموعة  تشكل فيما بينها ظاهرة واحدة. بدأ كانر بدراسة هؤلاء الأطفال وكانت ثمرة هذه الدراسة الولادة الحقيقية لمصطلح (التوحد) كما نعرفه اليوم .

قام كانر بنشر ملاحظاته في مقالته المفصلية عام ١٩٤٣م والتي جاءت تحت عنوان: Autistic  Disturbances of Affective Contact

الاضطرابات التوحدية في التواصل العاطفي

حيث جمع كانر الصفات المشتركة لهؤلاء الأطفال كتالي:

  1. الوحدة الشديدة: لم يتعامل هؤلاء الأطفال مع الأشخاص في محيطهم كما هو متوقع في العادة وكانو في أفضل حالاتهم وهم وحيدون .
  2.   الهوس، القلق والرغبة المفرطة في الحفاظ على الأشياء كما هي: بدا على هؤلاء الأطفال القلق العميق والتوتر الشديد حال تغيير الروتين أو أماكن الأشياء ؛ مثل أخذ طريق مختلف للمدرسة أو إعادة ترتيب الأثاث.

ذاكرة ممتازة ( الحفظ الصم )

استطاع أطفال كانر حفظ أشياء غريبة مثل صفحة في جريدة وكان هذا في تناقض صارخ مع صعوبات التعلم الواضحة عندهم.

إعادة الكلمات ( المصاداة )

أعاد أطفال كانر الكلمات التي كانو يسمعونها وذلك دون قدرة على إعادة استعمالها بشكل خلاق، كما كانوا يستعملون كلمة ( أنت ) للإشارة لأنفسهم و ( أنا ) للإشارة للأخرين ( قلب الضمائر )؛ وذلك تبعًا للطريقة التي كان الآخرون يستعملون هذه الكلمات فيها.
وبنفس الروح فقد كان بعضهم يستعمل السؤال كاملًا للإشارة لرغبته بشيء ما بدلًا من طلبه بشكل مباشر؛ ( هل تريد أن تأكل تفاحة ؟ ) بدلاً من ( أريد تفاحة ).

الإستجابة  المبالغ فيها للمؤثرات الحسية:

كان غالبية أطفال كانر يظهرون انزعاجًا شديدًا تجاه بعض الأصوات، مثل صوت المكنسة الكهربائية أو المصاعد أو حتى صوت الريح. كما و عانى معظمهم من مشاكل تغذوية، مثل أن يأكل أنواعًا محددة من المأكولات ويمتنع عن تجريب غيرها .

محدوية في الحركة التلقائية:

ويظهر ذلك من خلال تكرار نفس الحركات، الأصوات والاهتمامات. ولكن كانر لاحظ – في المقابل – مهارة عالية في حركة اليدين  مثل تركيب القطع لأحجية.

قدرات عقلية ممتازة:

اعتقد كانر بأن الذاكرة الممتازة التي يمتلكها هؤلاء الأطفال بالإضافة إلى مهارات استعمال الأيدي تشير إلى قدرات عقلية عالية .

عائلات مميزة:

كان غالب زبائن كانر من العائلات ذات الشأن الاجتماعي ولكن ذلك لا يمكن تعميمه على أطفال التوحد؛ لأن الوصول إلى كانر (طبيب الأطفال النفسي المشهور في جامعة جون هوبكينز المرموقة) يحتاج إلى كثير من العلاقات والمال.

استمر كانر بالتعامل مع حالات التوحد التي كان يتم تحويلها إليه من مختلف أنحاء العالم. وقد قام خلال ذلك بإعادة التفكير في تعريف هذه الظاهرة؛ حيث قام باعتماد ظاهرتين اساسيتين فقط هما : الوحدة الشديدة والرغبة المفرطة بالحفاظ على الروتين. واعتبر باقي العوارض الأخرى إما ثانوية وإما ناتجة عن هاتين المشكلتين.

وبالرغم من مرور ما يقارب من ٨٠ عامًا على نشر كانر لمقالته، إلا أننا لا نزال اليوم (٢٠٢٢م) نعتمد بشكل أو بآخر على ملاحظاته الأساسية في تشخيص التوحد.

هانز اسبرجر  (Hans Asperger)

غالبًا ما يعتبر كانر أول من درس التوحد بطريقه منهجية، وقدم هذا المصطلح إلى المجتمع الطبي. ولكن الكثير من الدراسات التاريخية الحديثة بدأت بإلقاء الضوء على نشاطات طبيب اطفال آخر كان يعمل في نفس الوقت (١٩٤٤م) في جامعة فيينا  بدراسة مجموعة من الاطفال تتشابه صفاتهم مع اطفال كانر، ويعتقد أنهم كانوا يعانون من التوحد.

وقد  قام اسبرجر بنشر ما يقرب من ٣٠٠ دراسة، يتعلق غالبها بهؤلاء الاطفال وأعراضهم وطرق تأهيلهم وقد اطلق عليهم مصطلح (Autistic Psychopaths)    

فهل كان كانر يعرف بوجود هذه الدراسات واستفاد منها دون الاشارة إليها؟ قد يكون ذلك صحيحًا!.

كان السبب في تأخر اكتشاف أسبيرجر ودراساته هو أن معظمعها تم نشرها  باللغة الألمانية, ولم يتم ترجمتها حتى عام ١٩٩١م. حيث تم إطلاق إصطلاح (متلازمة أسبيرجر) على فئة من أطفال التوحد ذوي الأداء العقلي المميز. ولكن سمعة اسبيرجر سرعان ما بدأت بالتداعي والإنهيار عندما تم اكتشاف صلته بمصح “آم شبيجل جروند”  Am Spiegelgrund Clinic  سيء الصيت في العهد النازي.

حيث كان يتم ارسال الاطفال ذوي الإعاقة إلى هذه المصحة لتقييم درجة اعاقتهم وصلاحيتهم للحياة، وقد تم قتل جزء منهم “بطريقة رحيمة”! أما البقية فتعرضوا للإهمال والجوع  والتجارب اللاإنسانية، لينتج عن ذلك ٧٨٩ حالة وفاة موثقة.

يُعتقد أن هانز اسبيرجر كان متعاونًا مع هذا المصح ومسؤولًا عن تحويل بعض الحالات إليه.

 في مجتمعات التوحد يعد اسم اسبيرجر من الأسماء السوداء في تاريخ اضطراب طيف التوحد، وعلى كلٍ فقد سقط استعمال هذا الاسم في لائحة تشخيص الحالات.

اعتقد اسبيرجر –مثل كانر- بأن حالات التوحد ” ذاتية” أي ناتجة عن مشكلة تولد مع الطفل وليس نتيجة لعوامل أو مؤثرات خارجية، وأن ظاهرة التوحد تستمر مع الإنسان مدى حياته، كما لاحظ الطبيبان أيضاَ ظاهرة فقر التواصل البصري، تكرار الحركات والكلمات ومقاومة التغيير لدى هؤلاء الأطفال.

واتفقت تقاريرهم على اهتمام أطفال التوحد بمواضيع و أشياء غريبة لا تثير فضول الأطفال الآخرين غالب الوقت.

ولكن الخدمة الكبيرة التي قدمها كانر واسبيرجر للتوحد هي في عزله كظاهرة مستقلة لها أعراضها وصفاتها المحددة وانقاذ هؤلاء الاطفال من تشخيص ( فصام الطفولة) والذي غالبًا ما كان يطلق عليهم.

 فحالات التوحد تتحسن غالبًا بالتأهيل، على عكس حالات الفصام التي تتدهور بمرور الوقت. كما وتظهر حالات التوحد في مرحلة مبكرة من حياة الإنسان. كما أن طفل التوحد لا يعاني من الأوهام والتي هي صفة أساسية لدى مرضى الفصام. إن عزل ظاهرة التوحد كمرض مستقل سمحت بدراسته بشكل أكثر جدية، وأعطت الفرصة كذلك لمراكمة الخبرات في مجال تأهيل وتعليم هؤلاء الأطفال. وبالرغم من اتفاق مجمل ملاحظات كانر واسبيرجر إلا أنهما اختلفا في ثلاث نقاط جوهرية:

  • النطق:

عانى جميع أطفال كانر الإحدى عشر من مشاكل في النطق والتعبير وكان ثلاثة منهم فاقدين لقدرة النطق تمامًا. أما أطفال اسبيرجر فلم يعانوا من هذه المشكلة على الإطلاق بل كان كثير منهم مبدعًا في استعمال الكلمات وتركيبها بطريقة خلاقة و جديدة.

  • الحركة:

تحدث كانر عن مشاكل أطفاله الحركية، ووصف مشيتهم بأنها ثقيلة، مترنحة وغير متقنة. ولكنه أكد في المقابل على مهاراتهم العالية في استعمال الأيدي أو المهارات الحركية الدقيقة.. أما أطفال اسبيرجر فكانت حركتهم غير سلسة كذلك وقد شمل هذا حركات الأيدي أيضًا.

  • التعليم :

أصر كانر على أن الطريقة الأفضل في تعليم أطفال التوحد هي عن طريق الحفظ الصم وتعديل السلوك. بينما أكد اسبيرجر على ضرورة اشراك الأطفال في اختيار طريقة تعلمهم واللجوء إلى الإبداع والتجريب.

إذا كان كانر واسبيرجر يتحدثون عن نفس الحالات فما سر الاختلاف بين صفات هؤلاء الاطفال ؟

قد يقول قائل بأن العالمين كانا يتحدثان عن مرضين مختلفين نستطيع الإشارة إليهما بالتوحد في حالة كانر و بمتلازمة اسبيرجر في حالة اسبرجير. ولكن الاشتراك في عديد من الصفات يجعل من هذا الاحتمال بعيدًا خصوصًا وأن متلازمة اسبيرجر قد تم اسقاطها من تفاصيل تشخيص حالات التوحد.

أما الأقرب للصواب فهو بأن نعتبر التوحد طيفًا من الصفات و الأعراض، وليس ظاهرة واحدة محددة بشكل  دقيق؛ حيث يمكن أن تختلف حالات التوحد من حيث: الشدة، تنوع الأعراض والحالات المرضية المصاحبة لها فنصل في النهاية الى ظاهرة ملونة متعددة الزوايا والأبعاد!

كان ادخال كلمة ( طيف ) إلى عالم التوحد انجازًا حقيقيًا بعيد الأثر. وكانت صاحبة هذا الانجاز دون منازع الدكتورة لورنا وينج .

لورنا وينج (Lorna Wing)

في الوقت الذي بدأت فيه وينج عملها كطبيبة نفسية في لندن، كان تشخيص التوحد يعتمد بالكامل على الأفكار التي أرساها كانر، حيث كان كانر حازمًا جدًا في تشخيص حالات التوحد؛ إذ كان يرفض مثلًا أن يطلق هذه الصفة على أي طفل ذو قدرة نطق عالية أو إن كان يعاني من تشنجات عصبية.

المشكلة في طريقة كانر هي حرمان العديد من الأطفال الذين تنطبق عليهم صفات التوحد الأخرى من الدعم المجتمعي والحكومي في مجالات التأهيل والتعليم، وتركهم دون تشخيص يفسر لهم ولأهاليهم سبب اختلافهم عن زملائهم في الدراسة والمجتمع.

كان هذا الهاجس هو ما عاشت وينج لأجله. فبالإضافة لكونها طبيبة نفسية تعمل على الجانب الاجتماعي من الطب النفسي، فقد كانت  كذلك باحثة ميدانية، ولأهم كانت أمًا لطفلة تعاني من التوحد الشديد (سوزي).

بالرغم من العديد من الدراسات والأبحاث التي أجرتها وينج وزملائها في مجال التوحد، إلا أن اضافتها الحقيقية كانت تكمن في طريقة رؤيتها لظاهرة التوحد ككل. فالتوحد ليس ظاهرة بسيطة محددة نستطيع وضعها في صندوق صغير يسمى بالتشخيص، التوحد متنوع ليس فقط في مظاهره أو شدته؛ بل  في الطريقة التي يعبر فيها عن نفسه عبر الفترات العمرية المختلفة، كانت هذه النظرة مخالفة تمامًا لطريقة كانر المنضبطة والصارمة.

سخرت وينج كامل حياتها المهنية لتوسيع مظلة التوحد؛ بحيث تشمل جميع الأطفال الذين يعانون من مشاكل في التواصل الاجتماعي ويظهرون سلوكًا حركيًا متكررًا. وأضافت مع زميلتها جولد صفة أخرى وهي ضعف قدرة هؤلاء الأطفال على اللعب التخيلي.
قاد إصرار وينج وتواصلها مع الجهات العالمية المعنية بالتوحد إلى قبول آرائها وخاصة في الجانب الأمريكي، عندما أطلقت جمعية الأطباء النفسيين الأمريكيين النسخة الرابعة من كتاب تشخيص الأمراض النفسية  DSM-IV     ( والذي يعد مرجعًا في هذا المجال ) واستخدمت فيه للمرة الأولى كلمة “طيف”  وهي الكلمة التي ابتكرتها وينج وتم التخلص من كثير من محددات التشخيص لحالات التوحد    – إرث كانر – .

إن المتتبع لأعداد حالات التوحد يلمس زيادة هائلة في تسعينات القرن الماضي، غالب هذه الزيادة لم تكن حقيقية ولكن ما حصل هو ادخال أعداد كبيرة من الأطفال تحت مظلة التوحد بسبب المعايير الجديدة.

وقد استفاد هذا العدد الجديد من الأطفال من الخدمات المجتمعية والتي كانوا محرومين منها قبل ذلك.

لم تكتف وينج بالعمل على الجانب العلمي للموضوع، بل قامت بالعمل الحثيث مع أهالي الأطفال للتجمع وبناء الجمعيات للمطالبة بحقوق أطفالهم، وقد نتج عن ذلك الجمعية الوطنية للتوحد في بريطانيا عام ١٩٦٢م، وهي الأولى من نوعها في العالم. وقد أطلق تأسيس هذه الجمعية شرارة تلقفها أهالي التوحد حول العالم للقيام بتأسيس جمعياتهم الخاصة.

مايكل بارون (Michael Baron)

كان بارون والدًا لأوائل الحالات التي تم تشخيصها بالتوحد في بريطانيا وقد قام مع مجموعة من الآباء ببناء مدرسة لتعليم أطفال التوحد، ونتيجة للعمل المشترك والدافعية الجبارة لدى هؤلاء الآباء فقد تطور هذا الجهد عام ١٩٦٢م لبناء أول جمعية في العالم تعنى بشؤون أطفال التوحد تحت اسم “الجمعية الوطنية للتوحد” Nationac Autistic Society NAS

في عام ٢٠٠٣م عينت هذه الجمعية الدكتور لاري أرنولد  (Dr.Lary Arnold)  قيمًا عليها وهو بالغ توحدي وتعد هذه خطوة مفصلية في تاريخ حركة حقوق التوحد.

لم يطل الوقت حتى لحقت سكوتلاندا بالركب، فأسست جمعيتها الخاصة عام ١٩٦٨م بعد أن قام الآباء والامهات برهن بيوتهم وعقاراتهم للتمكن من بناء مدرسة لأطفالهم ومن ثم الحاقها بالجمعية .

أسهمت هذه الحركة بانتشار جمعيات التوحد حول العالم.

اعتنت هذه الجمعيات بمساعدة أهالي الأطفال وبناء المدارس الخيرية لهم – حيث تقدم الخدمات بأسعار معقولة – وتقديم النصح والارشاد والمعلومات حول موضوع التوحد من خلال تواجدهم على الشبكة العنكبوتية، كما وساهمت في سن وتعديل القوانين التي تمس حياة هؤلاء الأطفال.

لم يقتصر دور الآباء والأمهات على بناء الجمعيات، بل أن تواصلهم اليومي مع الناس ومحاولة تعريفهم بالتوحد ساهم في بناء وعي مجتمعي تجاه هذه الظاهرة.


تتحدث فرانشيسكا هابي  (Francesca Happe) وهي احدى أهم المشتغلين بالتوحد عالميًا عن لقاء وهي لا تزال في بداية حياتها الجامعية مع سيدة تبيع الكتب المستعملة في مكتبة صغيرة قرب الجامعة عن كمية العاطفة التي تحدثت بها تلك السيدة عن طفلها المصاب بالتوحد وعن احتياجاته ونقص الخدمات التي يقدمها المجتمع لهؤلاء الاطفال؛ تقول هابي : ” لقد اشعل هذا اللقاء عندي اهتمامًا عميقًا وحقيقيًا  بالتوحد، مما دفعني لاحقًا للتخصص بهذا الموضوع وإنفاق الجزء الأكبر من حياتي باحثة فيه ” .


جيم سنكلير (Jim Sniclair)

لايمكن الحديث عن تاريخ التوحد دون المرور بمحطة رئيسية وهي رواية المصابين بالتوحد أنفسهم لتجاربهم الشخصية ونضالهم في سبيل توحيد صفوفهم والمطالبة بحقوقهم .

بدأ المصابون بالتوحد بالحديث عن أنفسهم من خلال كتابة مذكراتهم ونشرها. كانت السيدات الأكثر نشاطًا في هذا المجال فكانت المذكرات الأولى التي تم نشرها تحت عنوان:

(Emergence labeled Autistic/ الإنبثاق يوصم توحديًا) بقلم الكاتبة تمبل جراندين (Temple Grandin)، جنبًا إلى جنب مع كتاب دونا ويليمز (Donna Williams) (No Body, No Where/ لا أحد لا مكان). وقد شكلت هذه الكتب محطة هامة وكلاسيكية في تاريخ الأدب بشكل عام، كما وبرز مجموعة من الأكاديمين التوحديين وعلى رأسهم الكاتب جيم سنيكلير، وهو أحد المؤسسين لشبكة التوحد الدولية (Autism Network International). حيث أرست كتاباته الأسس النظرية لحركة هامة في تاريخ التوحد سميت بالتنوع العصبي. فقد كتب سنيكلر: “التوحد هو طريقة حياة التوحد؛ يعيش فيك ويلون كل تجربة واحساس وعاطفة وفكرة ولقاء، بل وكل زاوية من زوايا الوجود، لا يمكن أن تفصل الشخص عن توحده حتى وإن استطعت ذلك فلن يعود الشخص هو نفسه مرة أخرى”.

كانت منصة “شبكة التوحد الدولية ” مناسبة للقاء المصابين بالتوحد, وطرح أفكارهم وقضاياهم والبحث عن حلول لها وقد ساهمت في إطلاق أول مؤتمر للتوحديين عام ١٩٩٦م مما ألهم المصابين في التوحد حول العالم للسير في نفس الطريق.

كان من الطبيعي أن تنتشر الجمعيات والمنصات التي يقودها التوحديون حول العالم، وبدأت بالضغط للتدخل في صياغة القوانين التي تمسهم بشكل مباشر، وشكلت ظاهرة ناجحة ألهمت أصحاب الإعاقات الأخرى للضغط بإتجاه تحصيل حقوقهم وتغيير البيئة لخدمة إعاقتهم .

التنوع العصبي (Neurodiversity)

استطاعت جودي سنجر (Judy singer)  وهي سيدة مصابة بالتوحد، ان تضع يدها على تيار قيد التشكل والنمو في عالم التوحد, وأعطت لهذا التيار عنوانًا هو التنوع العصبي في عام ١٩٩٨م.        

الفكرة باختصار أن التوحد ليس مرضًا أو نقصًا بالقدرات، الشخص التوحدي هو ببساطة إنسان ذو دماغ مختلف يعمل بطريقة مختلفة، ممايجعل طريقة رؤيته وإحساسه وتفاعله مع الأشياء مختلفة، وبالتالي فإن تجاربه وأفكاره تكون مختلفة أيضًا.

الشخص التوحدي ليس “أقل “. الشخص التوحدي “مختلف” فقط .

لكن التنوع العصبي لايعني -وبأي شكل من الأشكال – إهمال تقديم الخدمات لهؤلاء الأشخاص, فهم بالإضافة لطريقة رؤيتهم للأمور غالبًا ما يعانون من مشاكل أخرى مثل التشنجات، مشاكل النطق, مشاكل الجهاز الهضمي …الخ، التي تستدعي علاجًا طبيًا وتأهيليًا.

كما وأن هذه النظرية لاتدعو لإهمال استمرار البحث لاكتشاف الاختلاف لدى هؤلاء الناس وطريقة عمل أدمغتهم والبحث في السبل الأفضل لتطويع البيئة لتسهيل حياتهم.

محطات مظلمة في تاريخ التوحد

الأم الثلاجة

      نشأت العديد من الأفكار ذات السلطة في منتصف القرن الماضي تفسر التوحد بأنه يعود لنقص الحب والرعاية عند الأم اتجاه أطفالها, نشأ عن ذلك نزع العديد من الأطفال من بيوتهم وإيداعهم للمصحات، والبدء بإجراءات العلاج النفسي للأمهات المهملات

العلاج السلوكي

 اعتمد نظرية الاشراط التي تم بناؤها من خلال الدراسات على الحيوانات، حيث يقوم المعالج بتدريب الأطفال على سلوكيات محددة وتعزيز ذلك من خلال الثواب والعقاب. وتتسم هذه النظرية حتى في أحسن صورها بضيق الأفق وعدم الفهم الحقيقي لاختلاف هؤلاء الأطفال عن غيرهم وما يمكن أن يحويه هذا الاختلاف من ثراء.