جذور التوحد

الأسباب

اضطراب طيف التوحد هو ظاهرة وراثية بإمتياز ، فقد أظهرت دراسات التوائم بأن فرصة إصابة أحدهم بهذا الاضطراب تكون ٨٠% إذا كان التوأم المطابق مصابًا وتقل إلى ١٠% إذا كان المصاب توأمًا غير مطابق .

ماذا عن فرص تكرار الإصابة داخل العائلة ؟

تزيد فرص الإصابة بهذا الاضطراب إلى ١٠% إن كان أحد الأخوة مصابًا. أما إن كان هناك أخوين مصابين بهذا الاضطراب فإن الفرصة ترتفع لتصل الى ٣٥%.
إذاً تمتد جذور التوحد عميقًا داخل خلايانا، وتنشأ من اضطراب في تركيب وعمل الجينات. ولكن السعي الحثيث لاكتشاف جينات هذا الاضطراب لم يكن مثمرًا الى الآن!!

هل يكمن السبب في أن التوحد ظاهرة متنوعة قد نكتشف لاحقًا بأنها تجمع تحت مظلتها أمراض متعددة تم الجمع بينها على أساس تشابه ظاهري في السلوك ؟

هل هناك جينات محددة لهذا الاضطراب تتعرض لطفرات كبيرة تنشأ عنها هذه الظاهرة، أم أن الموضوع يتجاوز ذلك إلى طفرات بسيطة صغيرة، تتولد في أعداد كبيرة من الجينات المتعددة، تتشابك ثأثيراتها لتنتج هذه الظاهرة ؟

قد يكون الجواب شيئاً من كلا هذين التفسيرين.

هنا يوضح الدكتور فرات كريشان أخصائي طب الأطفال والتدخل المبكر أن المتتبع للأرقام المذكورة يكتشف بأن الوراثة ليست هي السبب الوحيد وراء التوحد!!
فبالرغم من تطابق مادتهم الوراثية بالكامل؛ إلا أن التوأم المتطابق المصاب بهذا الاضطراب لا يمنح توأمه الأخر فرصة ١٠٠% للإصابة بل ٨٠%، وهذا يعني أن هناك عوامل بيئية أو مكتسبة تساهم في صناعة هذه الظاهرة.

من الأسباب المثبت علاقتها بالتوحد تناول السيدة الحامل لبعض أدوية الصرع خلال الحمل، وكذلك مشاكل الولادة ونقص الاوكسجين وتروية الدماغ الناتج عنها. ولكن هذه الأسباب لا تفسر إلا حالات محدودة ومتفرقة من المصابين، ولذلك فإن رحلة البحث عن الأسباب البيئية لا تزال مستمرة.

تُعبر طفرات الجينات عن نفسها من خلال اضطراب في وظائف الأعضاء، وقد تم دراسة أدمغة المصابين بهذا الاضطراب للبحث عن الاختلاف بينها وبين أدمغة الناس العاديين.
فهل تكمن المشكلة في قشرة الدماغ، أم في المادة البيضاء أم في النوى العميقة؟
هل تنشأ المشكلة من مناطق معينة بذاتها أم من إضطراب في تواصل هذه المناطق بينها؟
هل يمكن تفسير ظاهرة التوحد بيولوجيًا على أساس خلل في وظائف أجزاء محددة من الدماغ، أم ينبغي أن نتعمق بشكل أكبر ونبحث عن الخلل في تشابكات الأعصاب على المستوى المجهري؟

بالرغم من تعدد النظريات في هذا المجال فإننا لازلنا بعيدين عن إكتشاف الاختلاف الجوهري في دماغ الطفل المصاب بالتوحد.

ينشأ من هذه النظرة السريعة لأسباب اضطراب طيف التوحد بأنه لا يوجد الى الآن نظرية بيولوجية متماسكة واضحة وشاملة تفسر هذا الاضطراب تفسيرًا حقيقيًا على المستوى العضوي.
يتبع ذلك -طبعًا- عدم وجود تشخيص طبي عضوي له، فلا يوجد لدينا إلى الآن فحص مخبري أو صورة شعاعية تستطيع أن تشخص الطفل المصاب به! مما يعني أن هذا التشخيص يبقى مرتكزًا على المظاهر السلوكية لهذا الاضطراب.